للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن معرفة سني الوفيات لايستفاد منه معرفة كذب الرُّواة من صدقهم فقط بل له فوائد حديثية أخرى إذ: يتبين به ما في السند من انقطاعٍ، أو عَضلٍ، أو تدليسٍ، أو إرسال ظاهر أو خفيٍّ للوقوف به على أن الرَّاوي مثلاً لم يعاصر من روى عنه، أو عاصره ولكن لم يلقه لكونه في غير بلده وهو لم يرحل إليها مع كونه ليست له منه إجازة أو نحوها، وكون الراوي عن بعض المختلط سمع منه قبل اختلاطه، ونحو ذلك، ورُبَّما يتبين به التَّصحيف في الأنساب، وهو أيضاً أحد الطُّرق الَّتي يتميز بها النَّاسخ والمنسوخ ... ورُبما يستدل به لضبط الرَّاوي حيث يقول في المَروي وهو أوَّل شئ سمعته منه، أو رأيته في يوم الخميس يفعل كذا، أو كان فلان آخر من روى عن فلان، أو سمعت من فلان قبل أن يحدّث ما حدَّث، أو قبل أن يختلط.. .

٣- معرفة روايةِ الأَكَابرِ عن الأَصَاغِرِ:

يُعتبرُ بيان رواية الرَّاوي عَمَّن دونَهُ في اللُّقي، أو السِّنِّ أو في المقدار، أحد فنون عِلمِ الرِّجال الَّتي عني بها العُلماءُ، ووَضعوا فيها المؤلَّفات.

وهو نَوعٌ مُهمٌ تدعو إليه الهممُ العليَّةُ، والأنْفُسُ الزَّكيَّةُ، ولذا قيلَ: لايكون الرَّجُلُ مُحدِّثاً حتَّى يأْخُذَ عَمَّن فَوقهُ، ومثلهُ، ودونه، وفائدةُ ضبطه الخوف مِن ظنِّ الانقلاب في السَّنَدِ مَعَ مافيه مِنَ العَمَل بقولهِ صلّى الله عليه وسلَّم: "أنْزلوا النَّاسَ منازلهم" (١) ، ومِن الفائدة أيضاً: أن لايتوهم كون المَرْويّ عنه أكبر وأفضل مِنَ الرَّاوي، لكونه الأغلب، والأصلُ فيه رواية النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في خطبته حديث الجَسَّاسة عن تَميمٍ الدَّاريِّ.

وهو أقسام:


(١) فتح المغيث: ٣/١٥٧. وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح: ٢٧٦، صحيح مسلم بشرح النووي: ١/٥٥، وتدريب الرَّاوي: ٢/٢٤٤.