ورأيت لبعض المحققين كلاماً يحصل به الجمع بين الروايتين المذكورين قال رحمه الله: دخل عمر المسجد فوجد الناس يصلون أفذاذاً فجمع الرجال على أبي بن كعب والنساء على تميم الداري وأمرهما أن يصلى بالناس إحدى عشرة ركعة بالوتر وكانوا يطيلون القراءة فثقل ذلك على الناس فخفف عمر رضي الله عنه في القراءة، وزاد في عدد الركعات، فبلغت ثلاثاً وعشرين بالوتر فكان يقرأ بالبقرة في ثمان ركعات وربما قرءوا بها في اثنتي عشرة ركعة.
هذا وقد اختار ما جرى عليه العمل في زمان عمر بعد التخفيف مالك وأبو حنيفة وأحمد واستمر عليه عمل المسلمين وتناقلوه خلفاً عن سلف إلى يومنا هذا. ولم يخالف ذلك إلا في زمان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقد أمر بجعلها ستا وثلاثين ركعة يضاف فيها ثلاثة للوتر، وذلك لما رأى الناس يطيلون القراءة وهو موجب للضرر والسآمة فأمرهم بتقصير القراءة وتعويض ذلك بالزيادة في عدد الركعات واختار هذا مالك في رواية المدونة ولنا بحث في هذا الموضوع يحسن التعرض إليه وهو أن الحديث المذكور عن عائشة يحسن أن يكون دليلاً لأبي حنيفة الذي يرى أن نافلة الليل الأفضل فيها أن تكون بأربع من غير فصل بسلام، كما تكون حجة للحنفية الذين يرون أن الوتر ثلاثة ركعات بتسليمة واحدة، قالوا لأن الظاهر من قول عائشة رضي الله عنها (صلى أربعاً فلا تسأل عن حسنهن الخ..) ثم صلى ثلاثاً الخ.. إنها متصلة من غير فصل بثلاث، ولا يعدل عن الظاهر إلا بدليل ثم قال ابن بطال بعد هذا وفي ذلك أيضاً رد على مالك رضي الله عنه.