وإنْ فُسِّر الفعل (بغى) بـ (طلب) يقال بغيت الأمر أي طلبته، فالفعل حينئذٍ متعدٍّ بنفسه ويكون (سبيلاً) معمولاً له، والمعنى: لا تطلبوا عليهن ذنوباً تعنتاً لتتوصلوا بها إلى سبيل من السبل الثلاثة المتاحة لكم وهي: الوعظ، والهجر، والضرب التي كانت مباحة لكم وقت نشوزهن، أو الخوف من نشوزهن.
واختتام الآية الكريمة بـ {علياً كبيراً} غاية في البلاغة والإعجاز، ففيه إعلام للأزواج الذين منحهم الله صفة القوامة والعلو على أزواجهم بأن هذه صفة محكومة بأمر الله، وتوصيتهم بعدم الظلم والإسراف فيما أبيح لهم، فلا تستعلوا عليهنّ ولا تتكبروا، وتنبيه لهم بخفض الجناح ولين الجانب، وإشارة إلى أن قدرة الله فوق قدرتهم عليهنّ، وتذكيرهم بأن العلو والكبر من صفات الله تعالى.
وقال تعالى:{وَقالوا كونوا هوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إبْراهيمَ حَنيفاً وَّما كان مِنَ المُشْرِكينَ} .
قراءة الجمهور بنصب:(مِلَّةَ) ، وقرئ في الشواذ برفع (مِلَّةُ) ، وتوجَّه قراءة الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره بل الهَدْيُ ملةُ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره بل ملةُ إبراهيم حنيفاً هدْيُنا.
وفي توجيه قراءة النصب أربعةُ أقوال:
الأول: أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره بل نتَّبِعُ ملةَ إبراهيم.
الثاني: أنه منصوب على الإغراء أي: عليكم ملةَ إبراهيم، وبه قال أبو عبيدة.
الثالث: أنه منصوب على أنه خبر لـ (نكون) محذوفة، والمعنى حينئذٍ بل نكون أهلَ ملَّةِ إبراهيم، أو أصحابَ ملَّةِ إبراهيم، فحذف المضافُ، وأقيم المضافُ إليه مُقامه وهو رأي الفراء، والأخفش، والزجاج، والزمخشري.
الرابع: أنه منصوب على نزع الخافض والمعنى نقتدي بملة إبراهيم.
فالوجه الأول والثاني من هذه الأقوال واحد وهو أنه مفعول به ولكن العامل مختلف، والوجه الرابع مفعول به توسعاً بعد نزع الخافض، والثالث خبر كان.