للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما أن الإبداع الصحيح يعتمد على العقل السليم فلابد من تناول موضوع التربية العقلية التي تمثل فكر الإنسان وما يحمله من مفاهيم صحيحة أو مغلوطة.

وتبرز أهمية هذا الموضوع من أهمية الإبداع، وأهمية حفظ العقل وتنميته، وإبعاده عن الزيغ والضلال، لأن هناك من أفرط في هذا الجانب، وهناك من فرط في الاستفادة منه. والتربية الإسلامية لا تغالي فيه ولا تجافيه، بل ترده في مكانه الذي ينبغي أن يكون فيه.

فالبعض أفرط، فقدمه على الشرع، فحصل الزلل والخلل والضلال، والبعض زهد فيه ولم يهتم به، واعتبر الحديث فيه وعنه من منهج أهل البدع والكلام، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن العلوم "منها ما يُعلم إلا بالأدلة العقلية التي بينها القرآن وأرشد إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يعرف أن أجلّ الأدلّة العقلية وأكملها وأفضلها مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فإن من الناس من يذهل عن هذا، فمنهم من يقدح في الدلائل العقلية مطلقا، لأنه قد صار في ذهنه أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه من أحدثه من المتكلمين، ومنهم من يعرض عن تدبر القرآن وطلب الدلائل اليقينية العقلية منه، لأنه قد صار في ذهنه أن القرآن إنما يدل بطريق الخبر فقط، فلا بد أن يعلم بالعقل قبل ذلك ثبوت النبوة وصدق الخبر، حتى يستدل بعد ذلك بخبر من ثبت بالعقل صدقة". وصحيح المنقول لا يخالف صريح المعقول، فالعقل السليم لا يتعارض مع الشرع أبداً، وإنما التعارض يأتي من الزيغ والهوى، ومن الغذاء المعرفي بمناهج المتكلمين والمتفلسفين.

وأما أولو الألباب فهم الذين إذا تأملوا في ملكوت الله ازدادوا إيمانا، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} (١) .


(١) سورة آل عمران: آية رقم ١٩٠.