للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الآية الكريمة الوارد -فيها تنزيه الله ذاته العليّة - مبيِّنة للإنكار الذي في قوله تعالى قبلها {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} (١) ولذلك فُصِلَت عنها ولم تعطف عليها (٢) .فالله - عزّ وجلّ- أنكر على من اتخذ من دونه آلهة أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؟! والمراد أي لا يقدرون على شيء من ذلك؛ فكيف جعلوها نداً لله وعبدوها معه؛ إذ لا يستحق الإلهية إلاّ من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم (٣) .ثمّ بيّن الله إنكاره هذا بإخباره أنّه لو كان في الوجود آلهة سواه لفسدت السموات والأرض ومن فيهن؛ حيث يستلزم أن يكون كلّ واحد منهما قادراً على الاستبداد بالتّصرف فيقع عند ذلك التّنازع والاختلاف ويحدث بسببه الفساد أي الخراب والهلاك.

وهذا البيان من الله تعالى - هو في نفس الأمر - استدلال على بطلان عقيدة هؤلاء المشركين في اتخاذ آلهة سواه (٤) .

مطلب: في بيان ختم الآية بالتسبيح ووجهه:

- بعد أن أبطل الله -عزّ وجلّ- بما ذكره من الاستدلال والبرهان عقيدة المشركين في اتخاذهم آلهة معه أعقبه بما يؤكد ذلك الاستدلال من تنزيه ذاته فقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} والفاء تقتضي التعقيب وترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان والدليل، فنزه الله ذاته عمّا لا يليق به ممّا وصفوه من الأمور والأحوال التي يفترونها عليه والتي من جملتها أن يكون له شريك في الإلهية (٥) .

لطيفتان:


(١) سورة الأنبياء: الآية: (٢١) .
(٢) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٧ ص٣٨.
(٣) انظر: تفسير البغوي ج٣ ص٢٤١؛ تفسير ابن كثير ج٣ ص١٧٥.
(٤) انظر: تفسير الطبري ج١٧ ص١٠_١١؛ تفسير البغوي ج٣ ص٢٤١؛ تفسير ابن كثير ج٣ ص١٧٥؛ فتح القدير للشوكاني ج٣ ص٤٠٣.
(٥) انظر: تفسير الطبري ج١٧ ص١٠_١١؛ تفسير أبي السعود ج٦ ص٦٢.