للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللطيفة الثانية: إنّ نفي الله تعالى للولد استقصاء للردّ على مختلف عقائد أهل الشرك من العرب إذ جعلوا الملائكة بنات الله فعبدوها من دون الله كما بينت سابقاً. كما أنّه قدم ذلك على نفي الشريك مع أنّ أكثر المشركين عبدة أصنام لا عبدة ملائكة نظراً إلى أنّ شبهة عبدة الملائكة أقوى من شبهة عبدة الأصنام لأنّ الملائكة غير مشاهدين فليست دلائل الحدوث بادية عليهم كالأصنام، ولأنّ الذين زعموهم بنات الله أقرب للتمويه من الذين زعموا الحجارة شركاء لله (١) .

اللطيفة الثالثة: أنّه -تعالى- لم يستدل في الآية على امتناع أن يتخذ الله ولداً وإن كان قد قدّمه وذكره، وذلك لأنّ الاستدلال على ما بعده مغن عنه؛ لأنّ ما بعده أعمّ منه وانتفاء الأعمّ يقتضي انتفاء الأخصّ، فإنّه لو كان لله ولد لكان الأولاد آلهة لأنّ ولد كلّ موجود إنّما يتكونّ على مثل ماهية أصله (٢) .

مطلب: في بيان التسبيح وغايته:

لمّا اقتضى هذا الدليل بطلان قولهم عقَّبه الله تعالى بتنزيه ذاته عن أقوالهم بقوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} وهو بمنزلة نتيجة لهذا الدليل (٣) .

قال الطبري: " تنزيهاً لله عمّا يصفه به هؤلاء المشركون من أنّ له ولداً وعمّا قالوه من أنّ له شريكاً وأنّ معه في القدم إلهاً يُعبد تبارك وتعالى" (٤) .

مطلب: في غاية مجيء قوله تعالى: {عَالِمِ (٥) الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٦) .


(١) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج١٨ ص١١٣_١١٤.
(٢) المرجع السابق: ج١٨ ص١١٤.
(٣) انظر: المرجع السابق: ج١٨ ص١١٦_١١٧.
(٤) تفسير الطبري: ج١٨ ص٣٨.
(٥) قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي (عالمُ) بالرفع على الإستئناف، وقرأ الباقون (عالمِ) بالجر، على أنّه صفة لله. (انظر: حجة القراءات لابن زنجلة ص٤٩١) .
(٦) سورة المؤمنون: الآية (٩٢) .