للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنّ المتأمِّل في الآيات السابقة من قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} (١) يجدها قد جاءت مرتبة متدرجة تفضي كلّ منها إلى ما بعدها لتحقيق المقصود، ولسامعها المتأمّل الطالب للهدى والحق سبيلاً واضحاً مبرهناً للإيمان بالله. ولذلك ورَد أنّ جبير بن مطعم رضي الله عنه كان من سبب دخوله في الإسلام سماعه لهذه الآيات ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها. وفيه ما روى البخاري في صحيحه بسنده إلى جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلمَّا بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} كاد قلبي أن يطير" (٢) .

- وحاصل معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ} نفي الحصول من أصله أي ليس لهم في الواقع إله غير الله (٣) .

مطلب: في بيان موضع التسبيح وغايته:


(١) سورة الطور: الآية (٣٠) والمراد إلى آية (٤٣) .
(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري: كتاب التفسير، حديث (٤٨٥٤) ج٨ ص٦٠٣. وقوله (كاد قلبي أن يطير) قال فيه الخطابي: كأنّه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها ومعرفته بما تضمنته، ففهم الحجة فاستدركها بلطيف طبعه. ثمّ قال في آخر كلامه: ومال إلى الإسلام أي بسببها. (فتح الباري ج٨ ص٦٠٣) وعند ابن كثير: أنّ هذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق عن الزهري به، وجبير بن مطعم كان قد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء الأسارى وكان إذ ذاك مشركاً فكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام من بعد ذلك (ج٤ ص٢٤٤) .
(٣) انظر: حاشية الجمل مع الجلالين ج٤ ص٢٢١.