للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتعبير بهذه الجملة في التنزيه عن الولد {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} يشعر باستحالة هذا الأمر على الله عزّ وجلّ، فإنّ الإلهية تنافي الكون أباً واتخاذ ابن لاستحالة الفناء والاحتياج والانفصال والمماثلة للمخلوقات عن الله تعالى. والبنوة تستلزم ثبوت هذه المستحيلات لأنّ النسل قانون كوني للموجودات لحكمة استبقاء النوع، والناس يتطلبونه لذلك، وللإعانة على لوازم الحياة، وفيها انفصال المولود عن أبيه، فأبوه مماثل له لا محالة (١) . وفي معنى هذا قال البغوي (٢) : "اعلم أنّ التبنيّ لا يجوز لله تعالى؛ لأنّ التبني إنما يجوز لمن يتصور له ولد" (٣) .ومن ثم تنوعت الحجج في نفي الولد عن الله ودارت حول هذه الأمور.

- وههنا تتكرر الحجة التي سبق ذكرها في آية سورة البقرة، وهي في موضع التعليل لجملة التنزيه: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} فمادام أنّ له ما في السموات وما في الأرض فإنه قد استغنى عن الولد، ولأنّ من يزعم أنّه ولد له هو ممّا في السموات والأرض كالملائكة أو عيسى عليه السلام فالكل عبيده وليس الابن بعبد؛ إذ الولادة تنافي الملكية كما بينا في المبحث السابق (٤) .


(١) انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج٦ ص٥٨.
(٢) هو الحسين بن مسعود بن محمد، الفرّاء، أبو محمد، ويلقب بمحيي السنة (٤٣٦-٥١٠ هـ) : فقيه، محدث، مفسر، نسبته إلى "بغا" من قرى خراسان، ومن أشهر كتبه: " شرح السنة – لباب التأويل في معالم التنزيل". (انظر: وفيات الأعيان ج١ ص١٤٥؛ الأعلام للزركلي ج٢ ص٢٥٩) .
(٣) تفسير البغوي: ج١ ص٥٠٢.
(٤) انظر: المرجع السابق ج٦ ص٥٨.