للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (١) .

مطلب: في بيان موضع التسبيح وآيته وصلته بما بعده:

- هذه الآية الكريمة استئناف غايته تحقيق الحق وإبطال القول باتخاذ الله ولداً كما يقول المشركون بأنّ الملائكة بنات الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً.

والذي يلاحظ في هذه الآية أنها تضمنت دلائل قاطعة على انتفاء الولد لله منذ بدايتها ثمّ توسّطها التسبيح ثمّ أُتْبع بدلائل أخرى، وكلّ ذلك في نسق قرآني مترابط البدء والوسط والختام. فسبحان من تكلّم بهذا القرآن الكريم فأحسنه وبيّنه وأدهش العقول والأفهام أمام إعجازه وعظمته.

- والدليل الأول في الآية والذي ابتدأت به جاء في صورة الشرط وهو قوله سبحانه: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} . هذا ولقد اختلف المفسرون في بيان هذا الشرط بدليله وأحسب أنّ أجود ما وقفت عليه من أقوالهم قول أبي السعود العمادي إذ قال: " أي لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاتخذ من جملة ما يخلقه أو من جنس ما يخلقه ما يشاء أن يتخذه؛ إذ لا موجود سواه إلاّ وهو مخلوق له تعالى لامتناع تعددّ الواجب ووجوب استناد جميع ما عداه إليه، ومن البيِّن أنّ اتخاذ الولد منوط بالمماثلة بين المتخِذ والمتَخذ وأنّ المخلوق لا يماثل خالقه حتى يمكن اتخاذه ولداً، فما فرضناه اتخاذ ولد لم يكن اتخاذ ولد بل اصطفاء عبد، أنّ ما يستلزم فرض وقوعه انتفاءه فهو ممتنع قطعاً" (٢) .

- وتقريراً لما ذُكِر من استحالة اتخاذ الولد في حقه تعالى وتأكيداً له نزه عزّ وجلّ ذاته عن ذلك تنزهه الخاصّ به فقال: {سُبْحَانَهُ} (٣) .


(١) سورة الزمر: الآية (٤) .
(٢) تفسير أبي السعود: ج٧ ص٢٤٢.
(٣) انظر: المرجع السابق: ج٧ ص٢٤٢.