للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- في الآية السابقة لتسبيح الله ذاته الشريفة يأمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول قولاً للمشركين يلزمهم به الحجة في زعمهم أنّ لله ولداً فقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية الكريمة المبنيّ على معنى (إن) فيها هل هي شرطية أم للنفي؟ وأحسب أنّ ما رجحه ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- هو أقوى الأقوال وأولاها بالصواب اعتماداً على أن (إنْ) للشرط لا للنفي، ذلك أنّها لو كانت للنفي لم يكن للكلام كبير معنى لأنّه يصير بمعنى. قل ما كان للرحمن ولد؛ وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك أنّه إنما نفى بذلك عن الله -عزّ وجلّ- أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات ثمّ أحدث له الولد. (قاله الطبري) (١) .

وعلى معنى (إنْ) للشرط؛ فإن أقرب مُرادٍ للآية وهو ما رجحه الطبري وغيره وهو الظاهر من الآية: أي إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده منكم؛ لأنّ من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد (٢) . وفي هذا الكلام نفي للولد على أبلغ وجه وأتمّ عبارة وأحسن أسلوب وهو مثل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (٣) وقد علم أن الحق معه وأنّ مخالفيه في ضلال مبين.

ويشابهه -أيضاً- قول الرجل لمن يناظره: إن ثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به (٤) .

- وفي هذا الأسلوب القرآني الكريم ما لا يخفى من سلوك طريق المساهلة والإلطاف في الخطاب وإرخاء العنان وصولاً إلى تبكيت المجادلين والمعرضين عن الحق وإفحامهم (٥) .


(١) تفسير الطبري: ج٢٥ ص٦١.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ج٢٥ ص٦١؛ فتح القدير للشوكاني ج٤ ص٥٤٢-٥٤٣.
(٣) سورة سبأ: الآية (٢٤) .
(٤) فتح القدير للشوكاني ج٤ ص٥٤٣.
(٥) انظر: تفسير الطبري ج٢٥ ص٦١؛ تفسير الألوسي ج٢٥ ص١٠٤.