للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى: "إن العلم يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة ما لا يرفعه المُلْك ولا المال ولا غيرهما، فالعلم يزيد الشريف شرفاً ويرفع العبد المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث أتى عمر بن الخطاب بعسفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال من ابن أبزى؟ فقال: رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى. فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" (١) . وقال أبو العالية: "كنت آتي ابن عباس وهو على سريره وحوله قريش فيأخذ بيدي فيجلسني معه على السرير فتغامز بي قريش، ففطن لهم ابن عباس، فقال: كذا هذا العلم يزيد الشريف شرفاً ويجلس المملوك على الأسرة" (٢) .

وأما الثالثة فإن أهل العلم وطلبته هم أهل الخشية كما شهد الله بذلك في قوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر ٢٨] .

وأما الرابعة ففي قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران ١٨] .

قال ابن القيم: " استشهد - سبحانه - بأولي العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيده، فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:

أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.

والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.

والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين ٢٦٩.
(٢) مفتاح دار السعادة ١/١٦٤.