للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانياً: أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف والتأميل، فإن كل ساعة تمضي من عمره لا بدل لها ولا عوض عنها، ويغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرخ شبابه ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "تفقهوا قبل أن تسودوا " (١) وقال الشافعي: "تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه" (٢) .

ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة والعوائق المانعة عن تمام الطلب وبذل الاجتهاد وقوة الجد في التحصيل فإنها كقواطع الطريق، ولذلك استحب السلف التغرب عن الأهل والبعد عن الوطن لأن الفكرة إذا توزعت قصرت عن درك الحقائق وغموض الدقائق، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وكذلك يقال: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك.

ومما يقال عن الشافعي أنه قال: "لو كلفت شراء بصلة لما فهمت مسألة" (٣) .

ثالثاً: أن يقسم أوقات ليله ونهاره ويغتنم ما بقي من عمره فإن بقية العمر لا قيمة له.

وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة والمذاكرة الليل.

وقال الخطيب: "أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة".

قال: "وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع" (٤) .

رابعاً: أن يقلل نومه ما لم يلحقه ضرر في بدنه وذهنه ولا يزيد في نومه في اليوم والليلة على ثمان ساعات وهو ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل منها فعل.

ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا كلّ شيء من ذلك أو ضعف بتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله ولا يضيع عليه زمانه (٥) .


(١) علقه البخاري في صحيحه ١/١٦٦، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٨/٥٤٠، والدارمي في سننه ١/٧٩، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ١/٣٦٦ رقم ٥٠٨.
(٢) تذكرة السامع والمتكلم ص ١٣٤.
(٣) نفس المصدر ص ٧٠-٧١.
(٤) نفس المصدر ص ٧٢-٧٣.
(٥) نفس المصدر ص ٧٧-٨٠، بتصرف.