للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روى الربيع بن صبيح أن رجلاً أتى الحسن فشكا إليه الجدوبة، فقال له الحسن: "استغفر الله"، فأتاه آخر فشكا إليه الفقر، فقال له: "استغفر الله"، وأتاه آخر فشكا إليه جفاف بساتينه، فقال له: "استغفر الله"، وأتاه آخر فقال له: "ادع الله أن يرزقني ابنا"، فقال له: "استغفر الله". فقلنا له: "أتاك رجال يشكون إليك أبوابًا، ويسألونك أنواعًا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار"، فقال: "ما قلت من ذات نفسي في ذلك شيئًا، إنما اعتبرت فيه قول الله تعالى إخبارًا من نبيه نوح - عليه السلام - أنه قال لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} " (١) .

وقد ذكر الحافظ ابن حجر (٢) هذا الأثر عن الحسن البصري مع شيء من الاختلاف في الألفاظ، ثم قال: "وكأنَّ المُصَنِّف - يريد البخاري - ألمح بذكر هذه الآية إلى أثر الحسن البصري"أه.

قلت: والربيع بن صبيح هذا سمع الحسن البصري، وثقه جماعة وضعفه آخرون، لكنه لم يتعمد الكذب، ولا يدلس وقد لخص الحافظ ابن حجر حاله قائلاً: "صدوق سيء الحفظ، وكان عابدًا مجاهدًا، وقد روى له الترمذي وابن ماجه والبخاري تعليقًا" (٣) .

المطلب السّابع: السَّعْي في الكسب أخذًا بالأسباب

مما لا شك فيه أن الحصول على المال يحتاج إلى سعي، واتخاذ الأسباب الجالبة للرزق، والبركة فيه، وقد وجه الشارع العباد إلى العمل، وعدم التواكل أخذًا بالأسباب، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ولم يرض الإسلام للإنسان المسلم أن يكون عالة على غيره، واقعا في ذل السؤال، والعوز.


(١) ... تفسير الحسن البصري (٥/١٩٩-٢٠٠) .
(٢) ... فتح الباري (١١/٩٨) .
(٣) ... تهذيب التهذيب (٣/٢٤٧-٢٤٨) ، التقريب (ص ٢٠٦) .