للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أنّ الأصل في الحروف البساطة، ولا يُدّعى التركيب إلاّ بدليلٍ قاطعٍ.

والثاني: أنّها لو كانت مركبةً من "إذْ" و"أَنْ" لكانت ناصبةً على كلّ حالٍ، تقدمت أو تأخرت، وعدمُ العمل في المواضع المذكورة قبلُ دليلٌ على عدم التركيب" (١) .

المسألة الثانية: عملها:

اختلف النحويون أيضاً في عمل "إِذَنْ" إذا جاء الفعل المضارع منصوباً بعدها، ما النّاصب له؟ هل النّاصب له "إِذَنْ" أو "أَنْ" مضمرة بعدها؟.

ذهب سيبويه وأكثر النحويين إلى أنّها تنصب بنفسها، وهو ماسمعه عن الخليل، قال سيبويه: "اعلم أنّ "إِذَنْ" إذا كانت جواباً، وكانت مبتدأةً عملت في الفعل عمل "أُرى" في الاسم إذا كانت مبتدأةً، وذلك قولك:

"إِذَنْ أجيئَك" و"إِذَنْ آتيَك" (٢) .

وذهب الخليل بن أحمد في أحد قوليه إلى أنّها ليست ناصبةً بنفسها، بل الفعل بعد "إِذَنْ" منصوب بـ"أَنْ" مضمرة، وهو مارواه عنه أبو عبيدة.

قال سيبويه: "وقد ذكر لي بعضهم أنّ الخليل قال: "أَنْ" مضمرة بعد "إِذَنْ"، ولو كانت مما يُضمر بعده "أَنْ" فكانت بمنزلة اللاّم وحتّى لأضمرتها إذا قلت: "عبدُ الله إِذَنْ يأتيك"، فكان ينبغي أن تَنصب "إِذَنْ يأتيَك"؛ لأنّ المعنى واحد، ولم يُغيَّر فيه المعنى الذي كان في قوله: "إِذَنْ يأتيَك عبدُ الله"، كما يَتغيّر المعنى في حتّى في الرفع والنصب، فهذا مارَووا، وأمّا ماسمعتُ منه فالأوّلُ" (٣) .

وممن ذهب إلى مذهب الخليل الزّجاج، والفارسيّ (٤) ، ورضيّ الدين الاستراباذيّ.

قال الزّجاج بعد أن حكى رأيَ سيبويه ورأيَ الخليل: "وكلا القولين حسنٌ جميلٌ إلاّ أنّ العامل – عندي – النصبَ في سائر الأفعال "أَنْ"، وذلك أجود، إمّا أن تقع ظاهرة أو مضمرة".


(١) رصف المباني ١٥٧.
(٢) الكتاب ٣/١٢.
(٣) الكتاب ٣/١٦، والنكت في تفسير الكتاب ١/٦٩٨.
(٤) ينظر رأيهما في الارتشاف ٤/١٦٥٠، والجنى الداني ٣٦٤، وتوضيح المقاصد ٤/١٩٠، والهمع ٢/٦.