فاتضح أنه ليس ثمة جزم على التحديد بشهر معين, وإذا لم يكن ثمة جزم بتحديد الشهر, فكيف يصح الجزم بتحديد ليلة الإسراء والمعراج؟ أو يجوز القطع بأنه حدث ليلة سبع وعشرين في شهر رجب؟ كما يجنح إلى ذلك البعض من الناس؛ بحيث يحتفون بهذه الليلة على اعتبار أنها عيد لها صبغة الأعياد المشروعة. وعلى فرض الترجيح بوقوع الإسراء والمعراج في ليلة سبع وعشرين, فليس من السداد أن تأخذ هذه الليلة شكل الأعياد المشروعة. لأنه لو سلم بصحة هذا المبدأ - مبدأ تشريع أعياد جديدة وإحياء ذكرى المناسبات العظيمة في تاريخ الإسلام - للزم أن يتخذ من ليلة القدر المفضلة عيداً, ومن يوم الهجرة - الذي غير وجه التاريخ - عيدا, ومن غزوة بدر الفاصلة بين الكفر والإيمان عيدا, ومن كل المناسبات العظيمة أعياداً يحتفى بها تضاف إلى الأعياد الإسلامية, ولكن الشرع وضع حدا لذلك؛ حيث نص على الأعياد المشروعة؛ ولم يرخص في مزاحمتها بأخرى؛ فقضى على فوض الأعياد, واستقر الوضع على عيد رمضان والأضحى, روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:"قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - ولهم يومان يلعبون فيهما – فقال: "ما هذا اليومان؟ "قالوا: "كنا نلعب فيهما في الجاهلية"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر", قال العلماء - رحمهم الله -: "ففي ذلك دليل على النهي عنهما, اعتياضا بيومي الإسلام, ووقفت القرون المفضلة عند هذا الحد, فلم تكن تعمد إلى إحياء ذكرى الحوادث الإسلامية على كثرتها, ولم تتخذ من الأيام المفضلة أعيادا تحتفل بها, والخير فيما ذهبوا إليه, والصواب فيما وقفوا عند حده, والقدوة بهم فيها سلامة الدين, وحسب المرء أن يسلم له دينه, في زمن أخوف ما يخاف الناس فيه على الدين.