للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا الخضم الهائل من الأفكار الدخيلة على التصور الإسلامي للحياة، وفي تلك الأجواء المكفهرة التي واكبها انفتاح المسلمين على الدنيا حين فتح الله لهم أرجاء المعمورة وأظهر لهم كنوز الأرض المطمورة, فانشغل بعضهم في العمل والإنتاج كليا وانصرفوا عن العبادة وانشغلوا عنها مما حدى ببعض الصالحين إلى كبح جماح النفوس, وكسر حدة شهواتها, ولما كان جاهلاً بنظرة الدين الإسلامي للحياة, أخذ يترجم ما في نفسه ويلصقه على الرسول صلى الله عليه وسلم زوراً وبهتاناً, فذموا الدنيا وزينوا للناس الفقر وذموا العمل والإنتاج, وجعلوا كل ذلك باسم الدين, ولما كان الإنتاج في المجتمع الإسلامي قائماً على الزراعة والتجارة في الغالب, قالوا في حديث مكذوب "شرار الناس التجار والزرّاع" (١) وفي رواية موضوعة: "شرار أمتي التجار والزرّاع" (٢) .

أما الفقر فحدث عن مدحه ولا حرج لقد جعلوه فخراً للرسول, فتقولوا عليه صلى الله عليه وسلم: "الفقر فخري وبه افتخر" (٣) مع أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ منه, وجعله قريناً للكفر في حديث صحيح حين قال: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" (٤) بل جعلوا الفقراء هم جلساء الله يوم القيامة (٥) , وقالوا: "إنما سمي الدرهم لأنه دار هَمّ, وإنما سمي الدينار لأنه دار نار" (٦) .


(١) الفوائد المجموعة ص ١٤١.
(٢) اللآلي المصنوعة ح٢ ص ١٤٢.
(٣) أحاديث القصاص ص ٩٠.
(٤) رواه النسائي في سننه في كتاب الاستعاذة باب الاستعاذة من الفقر (٨/٢٦٢حديث رقم ٥٤٦٥) والإمام أحمد في مسنده (٥/٣٦) والحاكم في مستدركه في كتاب الإيمان (١/٣٥) جميعهم بالسند إلى أبي بكرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر" وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقد احتج مسلم بعثمان الشحام.
(٥) اللآلي المصنوعة ح٢ ص ٣٢٤.
(٦) تنزيه الشريعة ح٢ ص ٨٩.