ودعانا إلى الإيمان بالبعث والحساب والجزاء لتوفَّى كل نفس ما كسبت، ويتلقَّى المحسن أجر إحسانه، ويأخذ المعتدي عقاب عدوانه فلا يتساوى بار كريم، ومجرم أثيم. قال تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ}[٤] . وقال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[٥] .
هذه العقائد الثلاث التي دعا إليها الإسلام عقائد متماسكة متلازمة لها أثرها العميق في تهذيب الإنسان وإعلاء شأنه.
فعقيدة التوحيد تحمل في طواياها الاعتراف بالكمال المفرد المطلق لباري الكون وترفع شأن الإنسان إلى المستوى الذي يليق به فلا تهبط بعقله إلى قبول عقائد خرافية ووثنية ولا تدفعه إلى المذلة أمام مخلوق من المخلوقات صغر أم كبر، عظم أم هان وهذا هو السر في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[٦] .
وعقيدة التوحيد أيضا تولد لدى المسلمين شعورا واحدا بأنهم جميعا عبيد لرب واحد لا يتفاضلون عنده إلا بالتقوى والعمل الصالح. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[٧] .
وفي ظلال هذه العقيدة لا يتعالى أحد على أحد ويتنافس الناس جميعا في أعمال البر، وطرق أبواب الخير والإيمان برسل الله، يحمل في طواياه الإيمان بحكمة الله، فحكمته سبحانه تأبى أن يوجد الإنسان ويتركه سدى ويدعه هملا، ويحاسبه ويعاقبه دون أن يقيم عليه الحجة.