إنه تحقيق لما قلنا من التوجيه الإلهي لمعركة بدر. وبهذا كله يتم تهيئة أرض المعركة. وبتثبيتها تحت أقدام المسلمين وتوفير الماء لهم. وانزلاق الأرض تحت أقدام المشركين ولا ماء عندهم. وذلك لصالح المسلمين وما كان ليتم ذلك إلا بتوجيه إلهي للخطة وعناية بالمسلمين وفي الصباح يلتقي الجمعان على تلك الحال ولم يبق إلا القتال.
قبل بدء المعركة:
كل ما تقدم من خروج وإغراء وتوجيه. ومشورة وأمنة النعاس وإنزال الماء من السماء وتثبيت الأقدام وغير ذلك. إنما هو مقدمة وتهيئة لهذه اللحظة. لحظة بدء القتال. فهي أخطر لحظة في المعركة. وهي أهم نقطة في الخطة. وأدق جزء في التوجيه وعليها يتوقف مصير المعركة. وبالتالي مصير الدعوة والأمّة بل والإنسانية كلها.
فهي اللحظة الحاسمة وهي الفرقان بين الحق والباطل. وبين البطر والتواضع ومن ثم نجد التوجيه أشد ما يكون. والتعليمات في منتهى الحزم والشدة والقسوة. ونستطيع تسميتها تعليمات الميدان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وتفصيل تلك التعليمات:
أ - فلا تولوهم الأدبار. وبهذا لا يملكون انهزاما ووجب عليهم الصبر والثبات أمام العدو مهما كانت النتائج.
ب - عقوبة من تسول له نفسه بالتولي غضب الله في الدنيا. ومآله جهنم وبئس المصير.
وهذا خاص ببدر دون غيرها من الغزوات لقوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ} ولكأن المسلمين ذلك اليوم لا يملكون أنفسهم. ولا لهم حق التصرف في شيء. حتى في تحركاتهم.