وهذه الفتنة ليست بحديثة العهد، فقد قذفها الشيطان في نفوس بعض الناس في القرن الأول، فهذا الخطيب البغدادي يسوق بسنده في كتابه ((الكفاية)) إلى الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كان جالسا ومعه أصحابه يحدثهم، فقال رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران بن حصين: ادنه، فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا، تقرأ في اثنتين، أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة ثم قال: أي قوم، خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن، وفي رواية أخرى: أن رجلا قال لعمران بن حصين ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن؟ قال: أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا، والموقف بعرفة، ورمي الجمار كذا، واليد من أين تقطع، أمن هنا أم هاهنا أم من هاهنا، ووضع يده على مفصل الكف، ووضع يده عند المرفق، ووضع يده عند المنكب اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم.
وساق بسنده إلى أبي أيوب السختياني أنه قال: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن فاعلم أنه ضال مضل.
وبعد هذا العرض الموجز لأدلة حجية السنة من القرآن والسنة والإجماع والمعقول يفرض للشبهات التي أثارها منكرو حجية السنة ومنتقدو طريقة المحدثين في جمع الحديث وتمييز صحيحه من سقيمه في القديم والحديث.
لقد تعرضت السنة لمن ينكر حجيتها قديما وحديثا، أما في القديم فلم يأت القرن الثاني حتى ظهر من ينكر أنها مصدر من مصادر التشريع، ومنهم من أنكر حجية غير المتواتر منها، كما ظهر من ينكر منها ما لا يكون بيانا للقرآن أو مؤكدا له.