وقد عقد الخطيب البغدادي في ((الكفاية)) بابا سماه ((باب ذكر بعض الدلائل على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه)) استهله بقوله ((قد أفردنا لوجوب العمل بخبر الواحد كتابا، ونحن نشير إلى شيء منه في هذا الموضع، إذ كان مقتضيا له)) ثم قال: ((فمن أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر وانتشر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد)) [٢] ، ثم ساق الأمثلة والشواهد على احتجاج الصحابة بخبر الواحد، إلى أن ختم الباب بقوله ((وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار ذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من بينهم دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه والله أعلم [٣] .
وأما من يرد الأخبار كلها فيمكن حصر شبهتهم بأن القرآن جاء تبيانا لكل شيء، فإن جاءت الأحاديث بأحكام جديدة لم ترد في القرآن، كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهو الحديث القطعي الثبوت وهو القرآن، والظني لا يقوى على معارضة القطعي، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن كان ذلك تبيانا للقطعي الذي يكفر من أنكر ثبوته بالظني الذي لا يكفر من أنكر ثبوته.
وهذه التقسيمات في الحقيقة فلسفة فارغة تعارض ما كان عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العمل بالحديث بمجرد ثبوته ولو من طريق شخص واحد إذا توفرت فيه شروط الراوي المعروفة من العدالة والضبط وغير ذلك.
ويتخلص جواب الشافعي عن شبه هؤلاء بما يلي:
١_ إن الله تعالى أوجب علينا اتباع رسوله، وهذا عام بمن كان في زمنه وكل من يأتي بعده، ولا سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إلا عن طريق رواية الأحاديث، فيكون الله قد أمرنا باتباعها وقبولها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به كان واجبا.