الدعامة الثانية: تحرير الإنسان من أصفاد الجهل وظلمته، فإن الجهل يقتل مواهب الفكر والنظر ويطفئ نور القلوب ويعمي البصائر ويميت عناصر الحياة والقوة في الأمم، ويفسد على جماهير الناس مناهج الدين والتدين، وهو الذي يجعل النفوس مستعدة لقبول ما يحدث في الدين من خرافات وبدع، لأن أهل الأهواء والبدع الذين يظهرون بين الناس بمظهر القادة والزعماء الدينيين يجدون في الجهل بتعاليم الدين مجالا واسعا لنشر الخرافات والبدع باسم الدين، ويسارع أكثر الناس وبدافع الجهل والثقة العمياء إلى اعتناقها ويعملون بها على أنها من الدين وهم لا يعلمون أن الدين منها براء.
ولقد عني الإسلام ببناء هذه الدعامة دعامة تحرير الإنسان من الجهل عناية كبرى، فذم الجهل والجاهلين في مواطن كثيرة كما في قوله تعالى {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُون}{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}{فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .
وأنحى باللائمة على اللذين يتبعون الظنون والأوهام في عقائدهم وتدينهم كما في قوله تعالى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} .