وبهذه النهضة العلمية استطاعوا أن يعملوا عمل الأقوياء لدينهم ومجتمعهم، لأن العمل لبناء المجتمعات القوية في دينها ودنياها لا يصدر إلا عن إرادة قوية دافعة، والإرادة القوية الدافعة لا تنبثق إلا من العلم، فالأمة التي أفقدها الجهل قوة الإرادة وصدق العزيمة لا يمكن أن تعمل لدينها ولا لكيانها.
الدعامة الثالثة: تحرير الإنسان من طاعة الأهواء والانقياد الأعمى لوحيها، لأن طاعة الأهواء من أقوى عوامل انحراف الإنسان في سلوكه والتوائه في نظره وتفكيره، وضلاله في عقائده وتدينه، فإن الهوى ما دخل في شأن من شئون الدين والدنيا إلا أفسده.
فعبّاد الأهواء لا تسلم لهم طوية ولا يستقيم لهم رأي، ولا تعتدل لديهم موازين الحكم ولا يخضعون لحق ليس في جانبهم.
ولهذا عُني الإسلام بالتحذير البالغ من اتباع الهوى والانقياد الأعمى للأشياء، فذم العاكفين على عبادة الأهواء والأغراض، ونعي عليهم ضلالهم وانحرافهم عن الحق إرضاء لأهوائهم كما في قوله تعالى {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} ، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ، {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
وهكذا طالبنا الإسلام بأن نطهر نفوسنا وسلوكنا من الأغراض الخفية، والأهواء الدفينة، ونحرر عقولنا وأفهامنا من الخضوع للجهل والانقياد الأعمى، وأن نجعل أهواءنا تبعا لحكم الله وشرعه.