قياسُه القرآن الكريم على قصائد الشعراء وكلام الخطباء حيث يقول: وقد علم كل مقصر وكامل أن الله تعالى وصف هذا بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسالكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة وطرائق متباينة فضلا عن المقامين، فضلا عن المقامات، فضلا عن جميع ما قاله ما دام حيا، وكذلك شاعرهم. وإذا ما نظرنا في القسم الأول من الدليل الأول، وهو نزول القرآن منجما على حسب الحوادث المختلفة، وترتيبه على حسب النزول فإننا لا نجد حاجة لناقشة هذه الفكرة لأنها ساقطة بنفسها، ولم يقل بها أحد من العلماء حتى إن الشوكاني نفسه يقول بعد أن يستعرضها:"هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتبا على الترتيب الكائن في المصحف، فكيف وكل من له أدنى علم بالكتاب وأيسر حظ من معرفة، يعلم عليما يقينا أنه لم يكن كذلك".
وإذا كان الأمر - كما قال الشوكاني - فلماذا هذا الفرض ولماذا هذا الحكم بناء عليه وهل هناك مجال للافتراضات في الأمور المعلومة من الدين بالضرورة والتي ثبتت بطريق التواتر، خاصة وأن جميع القائلين بـ (المناسبة) إنما يبنونها على أساس أن ترتيب التلاوة غير ترتيب النزول. وإذا ما انتقلنا إلى القسم الثاني من الدليل الأول، والذي يبني فيه حكمه على أن ترتيب القرآن لم يكن حسب النزول، وإنما تقدم في ترتيبه ما كان متأخرا وتأخر ما كان متقدما فإننا نقول: -
إن كلام الشوكاني هنا مبني على أن ترتيب الآيات القرآنية، لم يكن بالتوقيف وإنما كان اجتهاديا برأي الصحابة ونص كلامه "فإن هذا - أي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم - عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة".