لا شك أن رأي الجمهور بالقول بالمناسبة يعتمد على أدلة قوية كما قدمنا، غير أن الطريقة التي سلكها أكثرهم في التعرض إلى المناسبة واستكشافها لم تكن تساعدهم دائما على معرفة المناسبة القوية، فيلجئون إلى مناسبات ضعيفة قد تضطرهم إلى شيء من التكلف مما حمل أصحاب الاتجاه الأول على إنكار المناسبة والتشنيع على القائلين بها، وأصحاب الاتجاه الثاني على القول بها في حال دون حال ويبدو أن الطريقة التي كانوا يلجئون إليها في غالب الأحيان، وهي طريقة التحليل حيث لا يتجاوزون الآيتين المتجاورتين، وبالتالي ينحصر البحث في معنى الآيتين ولا يجاوزهما إلى معانٍ أخرى تفهم من مجموع الآيات في السورة الواحدة، ولو أنهم بعد أن سلكوا هذا الطريق التحليلي، عادوا فنظروا إليه نظرة محلية تركيبية، لأمكنهم أن يربطوا بين الآيات كلها ربطا محكما، لا شبهة فيه ولا تكلف، ومن هنا فالطريق الصحيح لإدراك المناسبة لا بد أن يستخدم أولا منطق التحليل، حيث يضع الفرضيات الأولى للمناسبة بين الآيات، ثم يأتي بعد ذلك منطق التركيب الذي يحاول استكشاف الوحدة الكلية الموضوعية التي يقوم عليها بناء السورة فإذا ما أدرك ذلك أمكن تصحيح التكلف والتعسف الذي ينشأ من منطق التحليل، بذلك تبدو المناسبة قوية محكمة لا تحتاج إلى تكلف ولا تعسف. غير أن إدراك الوحدة الموضوعية الكلية ليس بالأمر الميسور، كما أنه ليس ملقىً على قارعة الطريق، وإنما يحتاج إلى بحث ودراسة، وقد تختلف فيه أنظار الباحثين والدارسين ومن ثمّ تختلف المناسبات باختلافهم، فالبقاعي - مثلا - يستنتج موضوع السورة من اسمها، وفي ذلك يقول. وقد ظهر لي باستعمالي لهذه القاعدة بعد وصولي إلى سورة سبأ أن اسم كل سورة مترجم عن مقصودها لأن اسم كل شيء تلحظ المناسبة بينه وبين مُسماّه عنوانه الدّال إجمالا على تفصيل ما فيه، وذلك هو الذي أنبأ آدم عليه السلام عند العرض على الملائكة عليهم السلام، ومقصود كل سورة هاد