أكان يمكن أن يتلقى مثل هذا التوجيه الكريم من مجتمع يباهي بالأحساب، ويفاضل بين الأنساب ولا يسوي بين بني آدم ويقول كبراؤه في صلف وكبرياء:"لن نؤمن لك حتى تطرد من معك من الفقراء والضعفاء"؟
أكان يمكن أن يتلقى الدعوة بالوقوف إلى جانب الحق عن وعي وبصيرة وتقليم ظفر العصبية الجاهلية من مجتمع يعيش عليها ويفاخر بها ويحارب في سبيلها؟
أكان يمكن أن يتلقى الأمر بمحاربة المنكرات من مجتمع يمارس الشرور ويعاقر الخمور، ويبالغ في الفجور؟
لقد كان كل شيء يدل على أنه صادق في دعواه وأنه – كما كان يقول – رسول من عند الله أميته ودعوته:
أمي يعلم الأميين بل يعلم المتعلمين إلى يوم الدين.
وفي كشف ما جاء به من علوم ونظم وقوانين وذخائر ورائعات يتخصص النوابغ ليظفروا بأرقى الشهادات:
كفاك بالعلم في الأمي معجزه
في الجاهلية والتأديب في اليتم.
في العلم إن دانت لك العلماء
يا أيها الأمي حسبك رتبة
أمي يتخرج من جامعته الإسلامية حكام وساسة وجنود وقادة، وفقهاء وحكماء وحساب وكتاب، ومحدثون ومدرسون، ووعاظ ومفتون، وقضاة عادلون.
خرجت هؤلاء وهؤلاء وما كان سقفها سوى الجريد وفراشها سوى الحصباء.
ودعوة جامعة لكل خير، مانعة من كل شر، صالحة لكل زمان ومكان، يستبعد العقل أن تنبثق من أرض تموج بالشهوات والمنكرات والأهواء، ويؤكد الفكر الحصيف الواعي أنها وحي تنزل من السماء.