للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجواب عن هذا محتاج إليه على كلا القولين - أما على قول من قال إن المسكين من عنده مالا يكفيه كالشافعي فالذي يظهر لي أن الجواب أنه يقول: المسكين عند الإطلاق ينصرف إلى من عنده شيء لا يكفيه فإذا قيد بما يقتضي أنه لا شيء عنده فذلك يعلم من القيد الزائد لا من مطلق لفظ المسكين وعليه فالله في هذه الآية قيد المسكين بكونه ذا متربة فلو لم يقيده لانصرف إلى من عنده ما لا يكفيه فمدلول اللفظ حالة الإطلاق لا يعارض بمدلوله حالة التقيد وأما على قول من قال بأن المسكين أحوج من مطلق الفقير وأنه لا شيء عنده فيجاب عن آية الكهف بأجوبة منها: أن المراد بقوله مسكين أنهم قوم ضعاف لا يقدرون على مدافعة الظلمة ويزعمون أنهم عشرة خمسة منهم زمني، ومنها أن السفينة لم تكن ملكا لهم بل كانوا أجراء فيها أو أنها عارية واللام للاختصاص، ومنها أن اسم المساكين أطلق عليهم ترحما لضعفهم. والذي يظهر لمقيده عفا الله عنه أن هذه الأجوبة لا دليل على شيء منها فليس فيها حجة يجب الرجوع إليها. وما احتج به بعضهم من قراءة علي رضى الله عنه لمساكين بتشديد السين جمع تصحيح لمساك بمعنى الملاح أو دابغ المسوك التي هي الجلود فلا يخفى سقوطه لضعف هذه القراءة وشذوذها. والذي يتبادر إلى ذهن المصنف أن مجموع الآيتين دل على أن لفظ المسكين مشكك تتفاوت أفراده فيصدق بمن عنده مالا يكفيه بدليل آية الكهف، ومن هو لاصق بالتراب لا شيء عنده بدليل آية البلد كاشتراك الشمس والسراج في النور مع تفاوتهما، واشتراك الثلج والعاج في البياض مع تفاوتهما. والمشكك إذا أطلق ولم يقيد بوصف الأشدية انصرف إلى مطلقه هذا ما ظهر والعلم عند الله تعالى. والفقير أيضا قد تطلقه العرب على من عنده بعض المال كقول مالك ومن شواهده قوال راعي نمير:

وفق العيال فلم يترك له سبد

أما الفقير الذي كانت حلوبته

فسماه فقيرا مع أن عنده حلوبة قدر عياله.

سورة الشمس