وبذلك شهدت الإنسانية نورا عاما في مناحي الحياة، نوراً في العقيدة، وحكمة في التشريع، وعظمة في الأخلاق، وضياء في المعرفة الكونية، وهداية لأقوم السبل، هداية عامة مباركة للحياتين الدنيا والآخرة، بأسلوب في أعلى مراتب البلاغة والفصاحة، مع إعجاز عام في كل أنواع المعرفة، فالقرآن بحر لا ساحل له، وتقدم العلوم والمعارف يكشف عن بعض ما في القرآن من معان تتحدى أساطين الكشف والاختراع.
درج المسلمون في عصورهم الزاهية الأولى. أيام مجدهم، وعظمتهم، وعزتهم، على العناية بكتاب الله. مصدر الهداية الحقة، ومصدر الخير والحق والنور، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كان الهادي الأمين صلوات الله وسلامه عليه يوجه عنايته التامة إلى كتاب الله عز وجل، لقد أنس بكتاب الله، رأى نور الله في التنزيل الرباني. الذي أحكمه مبدع السماوات والأرض، فعكف على ترتيل كلام الحق جل شأنه، متدبرا ما توحي به الآيات المباركة من فيض المعاني الربانية وما فيها من أسرار قدسية، ويجد أسعد أوقاته في رياض القرآن تاليا ومستمعا ومتدبرا لما ترشد إليه آيات الذكر الحكيم، ويقوم صلوات الله وسلامه عليه، يقوم الليل الطويل مرتلا للقرآن الكريم، ترتيلا لم تشهد الدنيا أجمل منه، يناجي المولى بحديث اختاره الله بعلمه، وأحكمه بقدرته، يتلو كتاب الله في السحر فتسيل عبراته على وجناته، مبللة لحيته الشريفة المباركة يرجو الله، ويستمطر رحمته، ويطلب عفوه، ويستعيد من عقوبته، يطلب رضوان الله، ويسأله الجنة، واللطف بأمته.