وزاد القرطبي على هذا الذي ذكره النسفي سببين آخرين [١٧] . "الأول: للسارق مثل يده التي قطعت. فإن انزجر بها اعتاض بالثانية وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه. الثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره. وقطع اليد في السرقة ظاهر. وقطع الذكر في الزنا باطن".
لا سلطة لغير الشارع في تكييف عقوبة السرقة
قلنا إن عقوبة السرقة تثبت بالنص. فلا يجوز تغييرها، أو تبديلها، أو إسقاطها، وليس للزمان، أو المكان أثر في ذلك.
رأي المجوزين
إلا أن بعض الباحثين [١٨] ، ذهبوا: إلى جواز إلغاء عقوبة السرقة أو تبديلها بعقوبة أخرى، تبعا لتغير الأزمان والأحوال. وعلى هذا فإن لولي الأمر، الحق في تكييف عقوبة السرقة حسب الظروف والمقتضيات.
وهؤلاء الباحثون – ومن وافقهم – على اصل: جواز تغيير الأحكام المنصوص عليها إذا دعت إلى تغييرها مصلحة، يقرها اجتهاد. حتى ولو تعارض ذلك مع نصوص الكتاب والسنة. وقد استدلوا على ذلك ببعض ما لا تقوم لهم به حجة. وبشيء من النظر الخاص كما يظهر ذلك من نصوصهم التالية:
يقول بعض الكاتبين [١٩] : "إن العمل بمبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان تؤيده الأصول المتفق عليها، وهي: أن التشريع لا يكون حكيما عادلا إلا إذا كانت أحكامه ملائمة من شرع لهم متفقة ومصالحهم، وما تقتضيه بيئتهم. وأن التشريع الذي تلائم أحكامه أمة، ويتفق ومصالحها. قد لا تلائم أحكامه أمة أخرى، ويعارض مصالحها. بل أحكام التشريع الواحد قد تكون ملائمة للأمة ومتفقة ومصالحها في حين غير ملائمة لها ولا متفقة ومصالحها في حين آخر ثم يستطرد قائلا: "وهذه أصول تكاد تكون بديهية غير مفتقرة إلى برهان. وأصدق شاهد لها: نسخ بعض الأحكام الشرعية ببعض في التشريع"