ولكنه قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكّر في عدة وسائل, واتخذ كثيرا من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات ومدى فعاليتها وتأثيرها، والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد، وأهدافه تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس، ركّز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حقّقه في مجال الصناعات المختلفة والمكاسب المادية في نفوس أغلب الناس، حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها وعظيم ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة لاسيما في صفوف الطلاب والمتعلّمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب اختار جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر هذه الحضارة لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوروبية والأمريكية وغيرها حيث يواجهون هناك بسلسلة طويلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم وخطط مدروسة وأساليب ملتوية في غاية المكر والدهاء وحيث يواجهون الحياة الغربية بما فيها من تفسح وتبذل وخلاعة وتفكّك ومجون وإباحية.
وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء وتشجيع وعدم وازع من دين أو سلطة قلّ من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها إلا من عصم الله وهم القليل، وهؤلاء بعد إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم وتسلّمهم المناصب الكبيرة في الدولة خير من يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله، ويضع الأمانة الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة بل بوسائل وأساليب أشدّ عنفا وقسوة من تلك التي سلكها المستعمر كما وقع ذلك فعلا في كثير من البلاد الذي ابتليت بالاستعمار أو كانت على صلة وثيقة به.