للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا حققت ذلك فاعلم أن الكفار لما أنكروا البعث ظهرت عليهم أمارة إنكار الإيجاد الأول؛ لأن من أقر بالأول لزمه الإقرار بالثاني؛ لأن الإعادة أيسر من البدء فأكد لهم الإيجاد الأول، ويوضّح هذا أن الله بيّن أنه المقصود بقوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} أي ما يحملك أيها الإنسان على التكذيب بالبعث والجزاء بعد علمك أن الله أوجدك أوّلا، فمن أوجدك أوّلا قادر على أن يوجدك ثانيا كما قال تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآية، وقال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} الآية، وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} ، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَاب} والآيات بمثل هذه كثيرة، ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي إيجاده الأول بقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} , وبقوله: {وَيَقُولُ الأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أَوَلا يَذْكُرُ الأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} .

وقال البعض: معنى {فَمَا يُكَذِّبُكَ} : فمن يقدر على تكذيبك يا نبي الله بالثواب والعقاب بعد ما تبين له أنا خلقنا الإنسان على ما وصفنا، وهو في دلالته على ما ذكرنا كالأوّل, فظهرت النكتة في جعل الابتدائي كالإنكاري.