الثاني: أن شهادته على نفسه بذلك يوم القيامة كما يدل له قوله: {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} , وقوله:{فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} , وقوله:{بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .
الوجه الثالث: أن الضمير في قوله {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} راجع إلى رب الإنسان المذكور في قوله: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} وعليه فلا إشكال في الآية، ولكن رجوعه إلى الإنسان أظهر بدليل قوله:{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} والعلم عند الله تعالى.
سورة القارعة
قوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} هذه الآية الكريمة تدل على أن الهاوية وصف لا علَم للنار إذ تنوينها ينافي كونها اسما من أسماء النار يلزم فيها المنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} يدل على أن الهاوية من أسماء النار.
اعلم أولا أنّ في معنى قوله تعالى:{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} ثلاثة أوجه للعلماء، اثنان منها لا إشكال في الآية عليهما، والثالث هو الذي فيه الإشكال المذكور، أمّا اللذان لا إشكال في الآية عليهما فالأول منهما أن المعنى {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي أمّ رأسه هاوية في قعر جهنم؛ لأنه يطرح فيها منكوسا رأسه أسفل ورجلاه أعلا، وروي هذا القول عن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول فالضمير في قوله:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} عائد إلى محذوف دلّ عليه المقام أي أم رأسه هاوية في نار وما أدراك ما هيه نار حامية.
والثاني: أنه من قول العرب إذا دعَوا على الرجل بالهلكة قالوا: "هوت أمه"لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا، ومن هذا المعنى قول كعب بن سعد الغنوي: