وقد حرر علماء البلاغة في مبحث الاستعارة التبعية أنه ينحل عن مصدر وزمن ونسبة فالمصدر كامن في مفهومه إجماعاً فيحيطون في مفهومها (الإحاطة) فيتسلط النفي على المصدر الكامن في الفعل فيكون معه كالنكرة المبنية على الفتح فيصير المعنى لا إحاطة للعلم البشري برب السماوات والأرض فينفي جنس أنواع الإحاطة عن كيفيتها فالإحاطة المسندة للعلم منفية عن ربّ العالمين، فلا يشكل عليكم بعد هذا صفة نزول ولا مجيء ولا صفة يد ولا أصابع ولا عجب ولا ضحك. لأن هذه الصفات كلها من باب واحد فما وصف الله به نفسه منها فهو حق وهو لائق بكماله وجلاله لا يشبه شيئاً من صفات أوضحه الله في كلمتين {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} تنزيه بلا تعطيل، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} إيمان بلا تمثيل. فيجب من أول الآية وهو {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} التنزيه الكامل الذي ليس فيه تعطيل ويلزم من قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الإيمان بجميع الصفات الذي ليس فيه تمثيل) فأول الآية تنزيه وآخرها إيمان ومن عمل بالتنزيه الذي في {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والإيمان الذي في قوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقطع النظر عن إدراك الكنه والكيفية المنصوص في قوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} خرج سالماً.
وقد ذكرت لكم مراراً أني أقول: هذه الأسس الثلاثة التي ركزنا عليها البحث وهي:
١- تنزيه الله عن مشابهة الخلق.
٢- والإيمان بالصفات الثابتة بالكتاب والسنة وعدم التعرض لنفيها وعدم التهجّم على الله بنفي ما أثبته لنفسه.