بهذا وبغيره من مباديء الإسلام التي لا يمكن جمعها في مقال حارب الإسلام الفقر وعالج مشكلته علاجاً جذرياً فطرياً، فلم ينكر الملكية الفردية المشروعة بل احترمها وعاقب المعتدي عليها بغير حق، لم يجرد الناس من كسبهم وثمرة كدهم، ونتيجة عرقهم وجهدهم تجريداً يدفعهم إلى الإهمال ويحملهم على التفريط في حفظ الأموال، ويثنيهم على التجديد والابتكار، وعن المضي في سبيل الرقى والازدهار.
لم يفعل ذلك بل أباح لهم أن يمتلكوا ما هو حلال عن طريق حلال على أن يستغل في الحلال بلا ضرر ولا إضرار وبلا تقتير ولا إسراف، وبلا نسيان لحق الجماعة الذي أوجبه الله.
وبهذا تمشى الإسلام مع الغريزة البشرية غريزة التملك لكنه هذبها وخفف من شرتها، وعدل من طبيعتها وتسامى بها حتى عادت بالخير على الفرد والجماعة والدولة، ولا عجب فقد حارب الربا والاحتكار، والاكتناز ورفع الأسعار وكل ما فيه إضرار قال صلى الله عليه وسلم:"من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد بريء من الله وبريء الله منه" وقال: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" وقال: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الثلاثة وأحمد.
(ب) ونظرة الإسلام إلى الحكم نظرة واقعية ومثالية..
فالدولة لابد لها من حاكم يقوم على رعاية مصالحها الداخلية والخارجية ويعمل على إشاعة الأمن والعدل في البلاد، ويوفر لأبنا الأمة كل ما يطلبونه من أمن وغذاء، ومسكن وكساء، وطب ودواء، حماية لهم من غوائل الفقر والمرض والجهل ويقف إلى جوار الضعيف والمسكين والمظلوم حتى يرفع عنهم الغبن ويدفع الظلم، ويكفيهم الحاجة ويهيء لأفراد الشعب فرصاً متكافئة، ويقدم العون لأرباب الحاجات، وييسر لهم سبل العيش وأبواب الرزق، ويعمل على تأمين الدولة من الداخل والخارج. ولكي يكون الحكم نعمة على الأمة قرر الإسلام ما يلي: