أقول: في هذا الخطاب تزهيد للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته في الدنيا وزخارفها وإبعاد لهم عن الافتتان بزهرتها وزينتها، لأنّ من فتن به أهلكته وشغلته عن ذكر الله، وهذا مع العلم بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان رئيس الدولة وكان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، والأموال كلها بيده، ولكنه كان زهداً فيها، مفضّلاً التقشف في المعيشة طوعاً واختياراً لا حاجة واضطراراً، فكان ينام على الحصير حتى يؤثر في جسمه الشريف, وكان يمر الشهر والشهران لا توقد النار في بيته، وإنما يعيش هو وأهله على الماء والتمر كما في حديث عائشة في الصحيحين, فكان عروة بن الزبير إذا دخل بيته يعظ نفسه وأهله بهذه الآية وينادي فيهم:"الصلاة الصلاة"، ففي الصلاة نعيم وقرّة عين للمتقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"وجعلت قرة عيني في الصلاة", والمراد بقرة العين:"الفرح والسرور".
٦-قوله:"إذا أصابه خصاصة"أي حاجة وضيق في المعيشة، أمر أهله بالصلاة امتثالا لأمر الله تعالى؛ لأن الصلاة تعين كل محتاج, وتفرّج كربه كما قال تعالى في سورة (البقرة: ١٥٣) : {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاة} , وهذه سنة سائر كل الأنبياء إذا نزل بهم أمر يكرهونه يفزعون إلى الصلاة فيدفع الله عنهم بها كل مكروه, ويبدلهم بالعسر يسرا, وبالضيق سعة, وبالشدة رخاء, وهكذا ينبغي للمؤمنين الصادقين - شبابا كانوا أم كهولا أم شيوخا - أن يفعلوا إذا نزل بهم ما يكرهون أن يستعينوا بالصبر والصلاةو فالصبر يهوّن عليهم المصيبة, ويفتح لهم باب الفرج, والصلاة استغاثة واستعانة بالله تعالى.
وقد رأينا محمد علي كلاي الملاكم العالمي المشهور إذا أراد أن ينازل بطلا من أبطال الملاكمة يصلّي ويدعو الله تعالى ويستمدّ منه قوة على خصمه فينصره الله ويهزم عدوه, فهذا هو الأدب المحمدي الذي ينجح في كل زمان ومكان.