وهذه الأخلاق التي أشرنا على بعض آحادها يحتاج تفصيلها وبسط القول فيها إلى عدة محاضرات. أما المحاضرة الواحدة فلا تكفي إلا للإشارة على بعض تلك الأخلاق والمزايا الحميدة التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، فأجدني مضطرا إلى الاقتضاب والإيجاز حسب الإمكان..
١-جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم:
وقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه في خلق الجود والكرم مبلغا لم يبلغه غيره، ووصل فيه إلى الغاية التي ينتهي عندها الكمال الإنساني. ومن توفيق الله له صلى الله عليه وسلم أن جعل جوده يتضاعف في الأزمنة الفاضلة يقول ابن عباس رضي الله عنه في الحديث الصحيح:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". جاد بنفسه في سبيل الله فكسرت رباعيته وشج وجهه وسال الدم منه صلوات الله وسلامه عليه. والجود بالنفس أقصى غاية الجود؛ وجاد بجاهه ومن أمثلة ذلك شفاعته صلى الله عليه وسلم لمغيث زوج بريرة رضي الله عنهما لما عتقت واختارت فراقه أشار عليها أن تبقى في عصمته رحمة منه صلى الله عليه وسلم بزوجها مغيث. وأخص الأمثلة في ذلك ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من شفاعته في أهل الموقف التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل فتنتهي إليه فيقول أنا لها صلى الله عليه وسلم وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لكل نبي دعوة مستجابة قد دعا بها فاستجيب له، فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة" وجاد صلى الله عليه وسلم بما أعطاه الله من المال فما سئل صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا قط فقال لا ولقد جاءت إليه صلى الله عليه وسلم امرأة ببردة منسوجة فقالت نسجتها بيدي لأكسوكها فأخذها صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها ولبسها فقل رجل من الصحابة: "أكسينها يا رسول الله". فقال صلى الله عليه وسلم:"نعم"