وقد صدر الإمام الشافعي رأيه بتقسيم العلم إلى قسمين: الاجتماع والاختلاف. فقال بعد ذلك: ومن جماع سلم كتاب الله: العلم بأن جميع كتاب الله إنما أنزل بلسان العرب ... فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا حيث علموا.
ثم ذكر رأي من قال: إن في القرآن من غير لسان العرب وأنه وجد من يقلده في رأيه دون حجة وعدم مبالاة لمن خالف ذلك وسبب هذا التقليد أغفل من أغفل والله يفغر لنا ولهم.. وبين الأدلة المذكورة للمجوزين ونقدها وهذا تلخيص نقده:
أولا - الجواب على الدليل الأول:
لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب شيء على عامة العرب حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه. وهو يرى أن لسان العرب كالألسنة التي لا يحيط بها أحد من أئمة الإسلام ومحدثيها ولا يفوت منها شيء على جميع الأمة..!
ونظرة الإمام الشافعي هذه دقيقة وعميقة ولها شواهد منها توقف ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فلم يعرف معنى فاطر حتى وجد من بينه له من العرب فقال كما جاء في التفاسير: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرته أي بدأته. ومن هنا عرف ابن عباس معنى مبدي السموات والأرض.
وكذلك جرى لأبي بكر الصديق وأحد الصحابة رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فلم يعرفا {وَأَبّاً} فقال الصحابي: قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟ ! وفي نفس الوقت لو سئل عنه طفل في اليمن لعرفه لأنه لغتهم وهو من النبات ومرعى الأنعام ودلالة الآية وسياقها يدلان على ذلك.