نعم وقد يظن قياسه مخالفا للسنة الثابتة فما السبب في ذلك؟ فنقول: هناك عدة أعذار عد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وقال: جميع الأعذار ثلاثة أصناف. أحدها عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، والثاني عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول، والثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. ثم فرع الأسباب على تلك الأصناف فجعل السبب الأول هو أن لا يكون الحديث قد بلغه ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف إن يكون عالما بموجبه كما حصل لعمر وابنه فإنهما كانا ينهيان المحرم عن التطيب قبل الإحرام قبل الإفاضة إلى مكة بعد رمي جمرة العقبة ولم يبلغهما حديث عائشة رضي الله عنها أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف، وغيره من الأمثلة الكثيرة ذكرها ابن تيمية [١٢] رحمه الله تعالى وإلى هذا أشار الإمام الشافعي في قوله "لو صح حديث لحوم الإبل قلت به"ذكره الحافظ في التلخيص [١٣] فلماذا لا نحمل مالكا على أحد هذا الأعذار؟ فالأئمة المجتهدون والمحدثون الحاذقون والفقهاء المبصرون كلهم معذورون إذا قالوا شيئا يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هم مأجورون على ذلك. فقد ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"[١٤] فتبين أن المجتهد له مع خطئه أجر وذلك لأجل اجتهاده، فإن إحاطة واحد لجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لا يمكن ادعاؤه حتى أن الخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة وأفقه الفقهاء وباشروا رسول الله سفرا وحضرا لم يكونوا قد بلغوا الكمال في العلم، فهذا أبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن ميراث الجدة قال مالك في كتاب الله من شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة وشهد له محمد بن مسلمة