من لوازم فتح الباب للفكر والنظر والاجتهاد أن يقع الاختلاف بين ذوي العقول وأصحاب التفكير وأهل الاجتهاد لأن من سنن الله عز وجل في خلقه أنه لم يسوِّ بين الأفهام والمدارك والعقول حتى تتفق على عقل واحد أو فهم واحد، بل تختلف الأفهام وتتنوع الآراء تبعاً لاختلاف درجات العقول والمدارك قوة وضعفاً وانغلاقاً وانفتاحاً قال تعالى:{نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} يوسف ـ ٧٦.
ولذلك نجد الشرع لم يشنع على الاختلاف الذي هو من هذا الباب بل أتاح المجال كما سبق بيانه، إلا أنه أدرك الأمة رحمة بها فبين لهم ماذا يصنعون إذا اختلفوا وأي سبيل يسلكون حتى لا ينحرفوا ويخرج بهم الاختلاف عن الجادة..
ففي هذه الآية إشارة إلى أن التنازع بين المؤمنين المتصفين بالطاعة لله وللرسول ولأولي الأمر لا مفر من وقوعه ولا ضرر إذا اتفق المتنازعون على الحَكَم الذي يحتكمون إليه ولا يخرجون عن سلطانه..
ومثل الآية في مدلولها قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"[١] .
إذ ليس معنى وجود مجتهدين ووجود مصيب ومخطئ إلا إقرار وقوع الاختلاف في فهم مسائل الشرع.