وإني لأخالك لهفان عجلان إلى أخبار ابنك الكبير ... فقد تركته وعلى محياه مخايل الذكاء، وفي عينيه بريق الألمعية.
قصته قصة لم تنته بعد، ولقد بدأ بداية طيبة مرتجاة، حتى إذا هبت عليه عواصف المراهقة، واستبدت به عواطف الشباب، وفقد القدوة الصالحة في المدرسة وفي الشارع، وبعدت عنه أعين الرقباء ـ أخذت ساقاه تضطربان من تحته، وعيناه يغشاهما الضباب؛ وإنه ليخيل إليّ أنك من هول الصدمة تتميز من غيظ، وتصرخ من حسرة، وتسأل من عجب: وأين غاب النصح والإرشاد وإصلاح الفساد؟!
لم يعد للبيت سلطان على شباب هذا الجيل، وما يصلحه البيت ـ إن كان هناك إصلاح ـ تفسده المدرسة حيناً، ويفسده الشارع حيناً آخر، وفي كثير من الأحيان تفسده صحف ومجلات وقصص ووسائل إعلام أخرى.
لقد أصبح عطاء كثير من المدرسة والجامعات عطاء معلومات وحشو معارف، وأصبح همُّ الطلاب نجاحاً في امتحانات وحمل شهادات، لقد فقد الطلاب في مدارسهم هذه وفي جامعاتهم تلك، فقدوا القدوة الصالحة والمثال العالي، فقدوا ما يثبت الإيمان في القلب، وما يغرس الفضيلة في النفس، وإذا ما قلت لك لقد وجدوا فيها ما يزعزع الإيمان في الأفئدة، وما يقتل الفضائل في الأنفس، فما جانبت حقاً ولا قلت زوراً.
إن كثيراً من المدرسين ذووا مؤهلات علمية جيدة، ولكنهم ـ وا أسفاه ـ ليس لهم نور يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وشمائلهم يراه الطلاب فيسيرون على هديه.
لقد أصبحت العلاقة بين المدرسة وتلاميذها علاقة بائع ومشتر، أما ما كان بينهما منذ أزمان من أسباب المودة والعطف والحنان، والإخلاص والنصح، فما أظنه إلاّ راقداً في رمس من هذه الرموس التي من حولك.
لا أريد أن أشرح لك الأسباب، وأبيِّن لك العلل، فذلك شأن من شؤون هذه الدنيا، وأولئك الذين هم يعيشون في الدار الآخرة لا يعنيهم هذا، ولا ينبغي لهم.