والنقطة الرابعة: تدل على أنهم سيحاولون بكل وسع أن يفتنوا المسلمين ولو عن بعض ما أنزل الله، والتحذير من هذا البعض لأنهم إن تمكنوا من هذا البعض سيحاولون إلى بعض آخر وهكذا، ولا يكتمل التشريع إلا بتمامه ومن ناحية أخرى فلسنا بحاجة إلى أخذ بعض منهم لأن فيما أنزل إلينا تبياناً لكل شيء. ولا يحق للأمة أن تترك مما أنزل الله إليها ولا البعض منه وإن كان هذا مما اختص به مما أنزل الله على هذه الأمة فإن الله تعالى قد اختص رسوله صلى الله عليه وسلم عمن قبله من الرسل في مجال الحكم في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} . فقد أعطى حق الحكم وأن حكمه بما أراه الله ولذا ألزموا لحكمه والتسليم لأمره في قوله تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
إرساء قواعد الحكم السليم: وفي جملة ما تقدم إرساء لقواعد الحكم السليم الذي يقوم على أساس العلم والمعرفة لأنه بما أنزل الله وبما أراه الله وجاء في الحديث أن من ولي القضاء بدون طلب له وكل به ملك يسدده.
ومحاطاً بالنزاهة التامة لأنه مجانب لاتباع الهوى، وجاء في حديث القضاء ثلاثة: وقاض عرف الحق ولم يحكم به أي حكم بهواه فهو في النار. مستقلاً عن أي مؤثر، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك.
وفي نهاية السياق بيان عاقبة من تولى عنه وأعرض في قوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} ..