وللسخر الجميل صور ماتعة في القرآن الكريم، وفي كثير من النصوص العربية، قديماً وحديثاً، تأتي حيناً هادئة رخية، وتأتي حيناً آخر عنيفة قوية، وفي كلتا الحالتين تعمل عملها في تحريك المشاعر وتحقيق الغرض. ومن الذين أحسنوا هذا الفن "الحطيئة"و"الأخطل"و"بشار"و"ابن الرومي"و"المعري"، ثم "الجاحظ"و"ولي الدين يكن". وهناك واحد من أدباء العصر العباسي لم يشتهر أمره بين الساخرين وقد ضرب فيه بسهم وافر، يجعله واحداً من هؤلاء الذين يُرْضُون هواة هذا الفن. ذلك هو الصاحب إسماعيل بن عباد من نابعي القرن الرابع.
وقد رأيت أن أقف حديثي هذا على عرض نماذج من سخره البارع الذي ينم عن ثقافة أدبية عميقة، وتصرف حاذق في فن القول.
ولد إسماعيل بن عباد عام ٣٢٦هـ وتوفي عام ٣٨٥هـ ونشأ في جو من العلم والأدب أحاطه به والده، ثم اتصل بأكابر علماء عصره وأدبائه، فأفاد ثروة وافرة من الثقافة إلى جانب ذخيرة من الخلق والعقل والصفات الكريمة، مما رفعه إلى مرتبة الوزراء، فكان يمين (ركن الدين بن بويه) ثم (فخر الدولة) أخيه مدى ثماني عشرة سنة وكان شديد الإخلاص لهما، نافذ الأمر عندهما، ومؤيد الدولة هو الذي أطلق عليه لقب (الصاحب) .