والقرآن يذكر الغافلين من البشر الساهين اللاهين، منادياً ألا هبوا ولا تركنوا إلى موت الحياة وحياة الموتى {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} . ثم يوضح لهم قيمة ما يعتزون به فيقول لهم:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} . {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء} .
وعلى سبيل المثال أنا الآن أتناول هذه الصفحات لأكتب والله ما استقر في ذهني ما أريد أن أخطه ولكني أكتفي بورق ومداد وقلم ... والله وحده هو الذي يدفع، وهو الذي يوفق، وهو الذي يلهم ...
ونحن مع كل صباح نتناول الصحف اليومية وتقع عيوننا على الصفحات الأولى متلهفين على أخبار العالم وأحداثه التي لا تستقر ولا تسكن، ولا تهدأ ولا تثبت، وكان الأجدر بنا أن نطالع الصفحة الأخيرة لنعرف مصيرنا المحتوم، ونرى ما طواه من أجزاء الإنسانية، وما غيبه الموت من أحباب لنا وصحاب ... وعندما نطالع هذه الصفحة فنجد أحباباً لنا قضوا، وأعزاء علينا تولوا ... ونشهد مصارع جبابرة تسلطوا باسم المال فجمعوه، وباسم الطغيان فاقترفوه، وباسم الحكم فأفسدوه، نشهق شهقة الناجي من الغرق، ضارعين صارخين مرددين: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم نفيق من خداع أبصارنا وأفكارنا حينما كنا نظن أن هؤلاء الطغاة كانوا شيئاً ما فنقول في ثقة وإيمان:
البقاء "لله وحده ".
وهذا يذكرنا بحقائق ثلاث:
أولاها: أن الحياة الدنيا التي تسيطر علينا وعلى وجودنا وعقولنا سيطرة طاغية أحياناً، وسيطرة معقولة آناً، هذه الحياة بصورها ومغرياتها لعب ولهو، ويتحتم علينا أن نستبدل هذا اللعب بالعمل، وهذا اللهو بالجد:{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} . سورة محمد (٣٦) .