للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو يفصم بين العقيدة والعقل، ولا يريد أن يجعل للعقل مجالاً في إثبات العقيدة وهذا خطأ فادح. فإن الله تبارك وتعالى خاطب العقول كثيراً في ما لا أحصي من الآيات، وذلك في مجال العقيدة والدعوة إليها كقوله عز وجل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} والمراد بالنظر إعمال العقل في آياته فالكونية. وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ... {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ... } . {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} . . . إلى غير ذلك. كما نعى على الذين لا يُعملون عقولهم وحواسهم في نشدان الحق {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ} - {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} .

و (لوبون) يحول العقيدة التي أثتبها البرهان إلى علم ومعرفة. وأمّا عند المسلمين فلا فرق بين هؤلاء الثلاثة الأشياء: العقيدة، والعلم، والمعرفة.

ولعلّ مرد هذا الرأي الذي يقرره لوبون في تحديد العقيدة إلى العقيدة التي شب في أحضانها وترعرع على لبانها، وهي العقيدة النصرانية التي تحرم النظر والسؤال والنقاش، وتفرض التصديق الأعمى دون نزاع ولا جدال.. أمّا العقيدة الإسلامية فهي بعيدة كل البعد عن هذا المفهوم الخاطئ والتعريف السقيم الذي لا يمت إلى حقيقتها بصلة.