جانب ترجمة له وبيان لحقيقته وتعريف بشخصه ومنزلته، وجانب سيرته ومنهجه بما يمكن أن يكون نهجاً يُسار عليه ومنهجاً يُقتدى به ومؤثر يؤثر على غيره ممن أراد السير في سبيله والنسج على منواله والاستفادة من أقواله وأفعاله.
والكتابة عن أي شخص من هذين الجانبين تعتبر بمثابة شخصيته في إبراز صورته وبيان مكانته وفيها تقييمه في عظمته أو توسطه أو غير ذلك، وأي عالم أو طالب علم فإن له شخصية مزدوجة في حياته العامة وسلوكه العام، وحياته الخاصة في طلب العلم ومنهجه في تحصيله ونشره والكتابة بهذا الاعتبار تكون عن الترجمة الشخصية، والسيرة العلمية.
وقد ملئت المكتبات الإسلامية بتراجم وسير الأعلام من الرجال من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى عصور التدوين وامتدت إلى اليوم حفظاً للتراث الإسلامي وتسجيل للرعيل الأول، ولم تكن الكتابة عن أي شخص وافية كاملة إلا بتعدد الكتاب عنه، وتستخلص الحقيقة من مجموع ما كُتب عنه لأن كل كاتب عن أي شخص لن يخلو من أحد أمور ثلاثة:
١- إما موال متأثر: فقد يقع تحت تأثير العاطفة فينظر من زاوية واحدة، فيقال فيه "وعين الرضا عن كل عيب كليلة".
٢- وإما معاد منفعل: فيقع تحت طائلة الانفعال فيصدق عليه تتمة البيت السابق "كما أن عين السخط تبدي المساويا".
٣- وإما بعيد معتدل: يرغب التقييم بميزان الاعتدال، ومثل هذا قد يفوته ما لم يكن حريصاً عليه بدون تقصير.
ومن هنا لم تكن كتابة كاتب عن إنسان ما مطابقة كل التطابق ومكتملة غاية الاكتمال.
وقد يتحرج الأصدقاء مخافة التهمة والتأثر بالألفة أو يتوقف الأعداء مكتفين بالإغضاء، أو يتردد الآخرون خشية التقصير، ولهذا فقد تذهب الشخصية الفذة دون كتابة عنها فيفتقده الحاضرون ويفقد سيرته القادمون، علماً بأن سيرة الرجال مدرسة الأجيال.