وأعز من الإيثار ما منحني من العلوم والآثار، والتوجيه الأدبي والفضل الخلقي والسمو النفسي في مجالسه وأحاديثه ودروسه من غير ما حد وبدون تقيد بوقت إذ كان رحمه الله كل مجالسه مجالس علم وكل أحاديثه أحاديث أدب وتوجيه، ولم يكن يحتاج إلى تحضير لدرس ولا مراجعة لجواب على سؤال.
ولم يكن لي معه رحمه الله من وقت معين مع كثرة الإخوان الدارسين عليه المقيمين معه في بيته إلا وقت واحد هو ما بين المغرب والعشاء لمدة سنتين دراسيتين ونحن بالرياض، قرأت في خلالها تفسير سورة البقرة.
كانت تلك الدراسة عليه رحمه الله هي رأس مالي في جل تحصيلي وعليها أساس دراستي الحقيقية سواء في المقررات أو غيرها، لأن فيها جميع أبواب الفقه، وعلى مباحثها تنطبق جل قواعد الأصول، ولا يبعد من يقول إن ما بعدها من السور يُعتبر تفسيراً لها أو أن من أتقن تفسيرها سهل عليه تفسير ما بعدها، وقد كانت دراستها سبباً في تأليف كتابي دفع إيهام الاضطراب، وأضواء البيان، وكل منهما إثر سؤال وجواب.
مع ما درست من الأصول ومبادئ في المنطق ودقائق في البلاغة وغير ذلك.
لقد وجدت منه رحمه الله ما لم أجده من غيره على الإطلاق كما وأظن أن أحداً لم يجد منه ما وجدته أنا منه، فلئن شرفت بخدمته فلقد حظيت بصحبته فجزاه الله عني أحسن الجزاء.
وإن صاحب مثل هذه العلاقة مع مثل هذه الشخصية ليحس بثقل ديونه على كاهله ويلمس عظم المنة تطوق عنقه، فهل أستطيع توفية هذا الجانب فحسب فضلاً عن الجوانب العامة التي هي موضوع الترجمة والسيرة، وهل يتأتى مني الإحجام عن الكتابة وأنا مدين بمثل تلك الديون مكبل بتلك المنن مما يجعلني أحق بقول القائل: