منهجه في درسه: من المعلوم أن التفسير لا ينحصر في موضوع فهو شامل عام بشمول القرآن وعمومه، فكان المنهج أولاً بيان المفردات ثم الإعراب والتصريف ثم البلاغة مع إيراد الشواهد على ما يورد.
ثم يأتي إلى الأحكام إن كان موضوع الآية فقهاً فيستقصي باستنتاج الحكم وبيان الأقوال والترجيح لما يظهر له، ويدعم ذلك بالأصول وبيان القرآن وعلوم القرآن من عام وخاص ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ وأسباب نزول وغير ذلك.
وإذا كانت الآية في قصص أظهر العبر من القصة وبين تاريخها وقد يربط الحاضر بالماضي كربط تكشف النساء اليوم بفتنة إبليس لحواء في الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما، وفتنته للجاهلية حين طافوا بالبيت عرايا رجالاً ونساء وهاهو يستدرجهن في التكشف شيئاً فشيئاً، بدأ بكشف الوجه ثم الرأس ثم الذراعين ... الخ. فكان أسلوباً علمياً وتربوياً في آن واحد، كما كان أحكاماً وحكماً.
وكان درسه أشبه بحديثة غناء احتوت أشهى الثمار وأجمل الأزهار في تنسيق الغرس وجمال الجداول تشرح الصدر وتشفي القلب وتروق للعين، فيستفيد منه جميع الناس ويأخذ كل واحد ما طاب له وما وسعه.
وقد يستطرد للقاعدة بمبحث كامل كما استطرد في الرد على ابن حزم في رده القياس بإتيانه بأنواعه عند قوله:{مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} وقد طبع في نهاية مذكرة الأصول تعميماً للفائدة وبهذا الشمول والاستقصاء لم يكن يترك مجالاً لسؤال ولم يبق لذي حاجة تساؤل.
وأذكر كلمة لقاضي قرية (قرو) في موريتاني بعد أن سئل رحمه الله عن مهام من المسائل العلمية وأجاب إجابة مستفيضة مفصلة كافية قال قاضي قرو لم يبق لأحد هنا كلام فقد ظهر الحق. ولا سؤال فقد زال اللبس وإن الحضور بين أحد رجلين عالم فقد عرف الحق فلم يبق له سؤال وجاهل فلا يحق له أن يسأل.
فكان نفعه رحمه الله في المسجد النبوي للمقيم والقادم للقاصي والداني نفعاً عظيماً.