في بعض الأعوام التي حججتها معه رحمه الله قدمنا مكة يوم سبع من الشهر وكان مفرداً الحج وفي يوم العيد صحبته للسلام على سماحة المفتي رحمه الله بمنى فسأله رحمه الله عن نسكه فقال جئت مفرداً الحج وقصداً فعلت فأدرك المفتي رحمه الله أن وراء ذلك شيئاً ولكن تلطف مع الشيخ وقال أهو أفضل عندك حفظك الله فأجاب أيضاً حفظكم الله لا للأفضلية فعلت ولكن سمعت وتأكد عندي أن أشخاصاً ينتمون لطلب العلم يقولون لا يصح الإفراد بالحج ويلزمون المفردين بالتحلل بعمرة. وهذا العمل لا يتناسب مع العديد من وفود بيت الله الحرام كل بما اختار من نسك وكل يعمل بمذهب صحيح وجرت محادثة من أنفس ما سمعت في تقرير هذا البحث من مناقشة الأدلة وبيان الراجح وأخيراً قال رحمه الله أنه لا يعنيني بيان الأفضل فهذا أمر مختلف فيه وكل يختار ما يترجح عنده ولكن يعنيني إبطال القول بالمنع من صحة إفراد الحج لأنه قول لم يسبق إليه والأمة مجمعة على صحته. فما كان من سماحة المفتي رحمه الله إلا أن استحسن قوله ودعا له.
ولكأني بهذا العمل من الشيخ رحمه الله الذي أراد به البيان عملياً صورة مما وقع من علي رضي الله عنه حينما بلغه عن عثمان رضي الله عنه أنه ينهى عن التمتع فدخل عليه وقال كيف تنهى عن شيء فعلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من عنده وهو يقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة.
أما لينه مع الحق ورجوعه إلى ما ظهر له منه ففي آخر دروسه في الحرم النبوي في رمضان الماضي في سورة براءة أعلن عن رجوعه عن القول في الأشهر الحُرم بأنها منسوخة وقال الذي يظهر أنها محكمة وليست منسوخة وكنا نقول بنسخها في دفع إيهام الاضطراب ولكن ظهر لنا بالتأمل أنها محكمة. وهو الحق الذي ينبغي اعتماده والتعويل عليه.