ولا يهمني في عرض هذا الحديث ذكر صفة هذه الصلاة لأن كتب الحديث والفقه هي المرجع الوحيد، بقدر ما يهمني جوهرها. وأعني بالجوهر هو الدعاء والتضرع المشروع فيها، والإنابة والتوبة المرجُوّة منها، والاستقامة على أمر الله ليحصل المقصود منها. أجل إن الدعاء هو العبادة ولُبها. فإن مظهر هذه الصلاة بما فيه من خطبة ووقوف وتحويل للأردية ورفع للأيدي مع الضراعة إلى الله غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول، بقلوب منيبة معترفة بالخطأ والتقصير نحو الله جلّ وعلا، نادمة وعازمة على الإقلاع عن المعاصي والمخالفات التي تغضب رب الكائنات _ إذ الغضب صفة من صفاته _ مع عدم الرجوع إلى المنهيات؛ وبذلك تَتِمُ شروط توبتها إلى بارئها. هذا المظهر بمافيه من رفع الأيدي السائلة، والعيون الدامعة الذارفة، والأصوات الخافتة، لَهُوَ صورة حية ناطقة وشاهدة على إعلان العباد الافتقار إلى رحمة الله والاحتياج إلى مغفرة الله. وربنا يحب _ إذ المحبة صفة أخرى من صفاته التي تليق بجلاله وعظيم سلطانه _ أن يرى عبده متذللاً خاضعاً، ومنكسر القلب حياء من الرب. ومتى كان العباد صادقين في الطلب وإخلاص الدعاء له، استجاب لهم ربهم ومالكهم وهذا عام في كل العبادات. مِصْداق هذا قوله تعالى على لسان عبده ورسوله نوح عليه السلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا} . الآية.. . وقوله تعالى:{وإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} . وكان السلف الصالح _ رضي الله عنهم _ لا يبرحون مصلاهم حتى تنالهم رحمة الله ويُسقون. وما ذلك الفضل إلاّ لإخلاصهم الدعاء لله تعالى. وإذا أردنا أن نقارن أنفسنا بهم وبمن بعدهم فلا وجه للمقارنة بيننا وبينهم. كم سنزن بجانبهم؟ إذا حاولنا ذاك استصغرنا أنفسنا واحتقرناها وضِعْناَ. فلنستغفر