للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منها أن اليهود ذكروا قبل هذا في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُوا} فعاد الضمير عليهم. وفيها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألا ترى أن بعده {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} . فهذا الضمير لليهود بالاجماع. وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقضاء. فإن قال قائل (من) إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلا أن يقع دليل على تخصيصها, قيل له (من) هنا بمعنى (الذي) مع ما ذكرناه من الأدلة والتقرير, واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. فهذا من أحسن ما قيل في هذا.

ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أي في بني إسرائيل فقال: نعم هي فيهم ولنسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل - وقيل: {الْكَافِرُونَ} للمسلمين, و {الظَّالِمُونَ} لليهود, و {الْفَاسِقُونَ} للنصارى. وهذا اختيار أبي بكر بن العربي. قال: لأنه ظاهر الآيات.

وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة والشعبي أيضا. قال طاووس وغيره: "ليس بكفر ينقل عن الملة. ولكنه كفر دون كفر". وهذا يختلف إن حكم ما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر، وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة الخ.. الغفران للمذنبين.

قال القشيري: "وقد ذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بغير حكم الله فهو كافر". وعزا هذا إلى الحسن والسدي. وقال الحسن أيضا: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء:

١- ألا يتبعوا الهوى. ٢- وأن لا يخشوا الناس ويخشوه. ٣- وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا". انتهى كلام القرطبي.

قال مقيدة عفا الله عنه: الظاهر المتبادر من سياق الآيات: أن آية {هُمُ الْكَافِرُونَ} نازلة في المسلمين؛ لأنه تعالى قال قبلها مخاطبا لمسلمي هذه الأمة {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} . ثم قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .