ومن ذلك أنه حرم التقدم بين يديه بالكلام حتى يأذن، وحرم رفع الصوت فوق صوته، وأن يجهرله بالملام كما يجهر الرجل للرجل، وأخبر أن الذين ينادونه وهو في منزله لا يعقلون، لكونهم رفعوا أصواتهم عليه، ولكونهم لم يصبروا حتى يخرج إليهم. قال: وأخبر أن ذلك سبب حبوط العمل، فهذا يدل على أنه يقتضي الكفر، لأن العمل لا يحبط إلا به.
وأخبر أن الذين يغضون من أصواتهم عنده هم الذين امتحنت قلوبهم للتقوى، وأن الله يغفر لهم ويرحمهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . قال:
ومن ذلك: أن الله حرّم على الناس أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضا، تمييزا له، مثل أن ينكح أزواجه من بعده {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً} . قال:
ومن ذلك أنه خصه بالمخاطبة بما يليق به فقال:{لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} . فنهى الله أن يقول أحد من الناس: يا محمد, أو: يا أحمد, أو: يا أبا القاسم, ولكن يقولون: يا رسول الله, يا نبي الله.